تسارعت الأحداث خلال الأيام الأخيرة في اليمن بعد أن شهدت الأشهر الماضية توتّرات ومناوشات بين مسلّحي “الحوثي” وجماعة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وقد تطوّرت المناوشات الى اشتباكات موسّعة أدت الى فض صالح تحالف السنوات الماضية مع أعداء العقدين الماضيين. وقد دعا الرئيس اليمني السابق في خطابه الأخير لإنتفاضة شعبية واسعة “دفاعاً عن الجمهورية” وأعرب في الوقت نفسه عن نيته فتح صفحة جديدة مع التحالف[1]. افضت محاولة صالح الانقلاب على الحوثيين الى نهاية دراماتيكيّة حيث قتل مع عدد من معاونيه وقيادات حزبه ولم تسلّم جثّته الى ذويه حتى الآن.
لماذا فشل انقلاب صالح ؟
رغم التقارير المتعدّدة التي أشارت الى مفاوضات جرت بين صالح والتحالف السعودي-الاماراتي[2] منذ أشهر للانقضاض على الحوثيين مقابل تسويات تضمن المستقبل السياسي لنجله أحمد، الّا أنه بدا وضاحاً أنّ غياب التناغم بين القوى المحاربة لأنصار الله ارتد سلباً على صالح. وقد تحسّبت بعض الأطراف الداخلية اعادة تسليم أمرها لصالح وتعويمه[3]. وفي هذا السياق، أشار محلّلون في مركز صنعاء إلى أنه في الفترة التي سبقت مقتل صالح، لم يكن هناك من قتال فعلي في ضواحي صنعاء، رغم أنّ حكومة هادي أعلنت أنها ستحرّك الكتيبة السابعة والثامنة من الجيش اليمني باتجاه صنعاء دعماً ل “الانتفاضة” ضد الحوثيين. وهكذا يبدو أن هذا الإعلان الحكومي كان مسرحية دعائية في وسائل الإعلام أكثر منه إشارة إلى تغيرات حقيقية في السياسة على أرض الواقع. وقد كان واضحاً أيضاً، أن هناك ميلاً لبعض الأطراف داخل حكومة هادي والتحالف الذي تقوده السعودية إلى عدم تأييد صالح، بل تركه لمصيره[4].
بالاضافة الى ذلك، تمكّن الحوثيّون من الاستفادة جيّداً من حلفهم السابق مع صالح للانقضاض عليه لاحقاً. لقد امتصّ الحوثيون بهدوء قوة صالح، وفازوا ببعض حلفائه القبليين أو تمّ تحييدهم، واستولوا على الكثير من مستودعاته العسكرية. ويعتقد المحللون أن الغالبية العظمى من قوات صالح استقالت وعادت إلى ديارها أو حلّت في صفوف الحوثيين حيث لم يبق سوى عدد قليل منهم في معسكره، ولا سيما وحدة الحرس الخاص، وهي جزء من الحرس الجمهوري الذي كان يرأسه ابنه أحمد[5]. وقد أشار عضو المؤتمر الشعبي العام ياسر اليماني إلى أنّ هناك قيادات في المؤتمر تعمل لصالح الحوثيين وهي التي وشت بصالح ومكّنت الحوثيين في قتله[6].
وممّا لا شك فيه أنّ صالح قد حُشر للقيام بعمليّة عسكريّة بعد الممارسات الحوثيّة الاقصائيّة من دون معرفة قدرته العسكريّة والحالة الداخليّة لحزب المؤتمر العام بالإضافة لاعتماده المبالغ على نقمة الشعب من ممارسات الحوثيين وولاء قبائل طوق صنعاء لمساندته في مواجهة تنظيم ديني مسلّح قوي ومنظّم ورث السلاح والخبرات من الجيش، يقاتل حتى النهاية بمال او من دون مال.
وقد عرف الشيوخ الأقوياء وزعماء القبائل في صنعاء أنّ وضع المعركة بات يتحول ضد صالح، ممّا يجعل هذه الشخصيات المحورية غير راغبة في دعمه في قضية ضائعة. وقد تمكّن الحوثيون من تأمين هذه الولاءات القبلية خلال المعارك مع صالح من خلال اعتماد الرشوة والتهديدات. وقد جاء ذلك كنتيجة لاستخدام الحوثيين لأكثر من عامين ونصف العام موارد الدولة لشراء الولاءات القبلية.
أما من ناحية التحالف السعودي- الاماراتي، يبدو جليّاً أيضاً عدم تقديرهم مسبقاً لقدرات صالح العسكرية بعد ارتباطه لأكثر من ثلاث سنوات بأعدائهم الحوثيين المدعومين من ايران. لم يقدّر التحالف متغيرات الحرب وهيمنة الحوثيين على بعض نفوذ صالح في الجيش والأمن وحتى نفوذه القبلي.
إعلاميًّا، نجح الحوثيّون في فرض ايقاعهم بشكلٍ سريع من خلال حجب وسائل التواصل في صنعاء واعتقال عدد كبير من الإعلاميين المناوئين لهم في اليوم الثاني من المعارك. وبحسب بعض المصادر في المنظّمات الدوليّة التي تعمل في اليمن، قد يكون إغلاق كلّ الوسائل الإعلامية التابعة لحزب المؤتمر محاولة لضرب الرأي العام للحزب من الداخل.
بعد سنواتٍ من المعارك القاسية التي خاضتها قوّات التحالف ضد من تسمّيهم “بالانقلابيين”، أصبح واضحاً عدم قدرتهم على المواجهة بريًّا إلّا من خلال الميليشيات الحليفة لهم كبعض القبائل وحزب التجمّع اليمني للإصلاح والقوى الانفصالية في جنوب اليمن. وقد أشارت بعض التقارير عن احتمال دعوة السودان لقوّاتها الانسحاب من قوات التحالف في المستقبل لأسبابٍ عديدة[7]. أمّا في المنطقة الخاضعة لنفوذ وسيطرة الحوثيين، يصعب على أي قيادي في حزب المؤتمر- ومن ضمنهم أحمد علي صالح- إعادة ترتيب البيت الداخلي للحزب سريعاً، خاصةً في ظلّ حملة الاعتقالات والاغتيالات والتصفيات التي يقوم بها الحوثيون، ناهيك عن تأثير جماعة أنصار الله ببعض قادة حزب المؤتمر. هذا، ولا يجب التغاضي عن أنّ ركيزة حزب المؤتمر الشعبي العام هي في شخصيّة علي عبدالله وقيادته.
من ناحية الحوثيين، سيصعب عليهم في المدى المنظور ايجاد شريك فعليّ على الساحة اليمنيّة. لكن في المقلب الآخر، يبدو أنّ زيادة خصومهم وضرب الحليف السابق والعدوّ اللدود الحالي (حزب المؤتمر) قد يريح جبهتهم الداخليّة مرحليًّا.
مشوار ضرب الحوثيين في الشمال طويل جدّاً ومعقّد وليس سهلًا كما يروّج له الاعلام في بعض الأحيان. لكن فرضيّة سقوط الشمال وغرب اليمن كليّاً بيد الحوثيين بسهولة تامّة هو احتمالٌ غير واقعيّ. العديد من الأسئلة ستظهرها الأيام القادمة: هل مقتل عبدلله علي صالح هو نقطة لعودة التحالف بين بعض قياديّي المؤتمر والإصلاح ولهجوم قريب على صنعاء من مأرب؟ هل ستعطي الولايات المتّحدة الضوء الأخضر للتحالف في الهجوم على ميناء الحديدة الذي يستخدمه جماعة الحوثي لتهريب الأسلحة من إيران رغم الضرر الإنساني الكبير لقرار كهذا؟ ما الدور الذي سيلعبه كلّ من أحمد عبدالله صالح واللواء علي محسن الأحمر في المستقبل القريب؟ وماذا سيكون موقف الامارات من أي دور متزايد لجماعة الاخوان في اليمن بعد ان ضيّقت الخناق عليهم في السابق؟
فهل تتعلّم القوى المختلفة من تجاربها السابقة مع الحوثيين لخلق جبهة يمنية موحّدة، من مختلف الأحزاب والمناطق والقبائل، ضدّ عبد الملك الحوثيّ خاصةً بعد فقدان قسم كبير من القوى الجنوبيّة الأمل في دولة يمنيّة موحّدة؟
[1] Reuters Staff, (2017). Saudi-led air strikes support Yemen’s Saleh as he shifts against Houthis, Reuters, retrieved from: https://www.reuters.com/article/us-yemen-security/saudi-led-air-strikes-support-yemens-saleh-as-he-shifts-against-houthis-idUSKBN1DX07O [2] Wintour, P.(2017). Yemen Houthi rebels kill former president Ali Abdullah Saleh, The Guardian, retrieved from:https://www.theguardian.com/world/2017/dec/04/former-yemen-president-saleh-killed-in-fresh-fighting?CMP=Share_AndroidApp_Tweet [3] Saade,W. (2017). Dars Ali Abdullah Saleh, Al Mustaqbal, retrieved from: http://almustaqbal.com/article/2003444 [4] Al Hariri, W. Osberg, N. Sauer,V. Hallinan,M. (2017), Yemen at the UN – November 2017, Sanaa Center, retrieved from: http://sanaacenter.org/publications/yemen-at-the-un/5156 [5] Michael, M. Haj, A. (2017). Saleh’s death puts Yemen’s war at a crossroads, Fox News, retrieved from: http://www.foxnews.com/world/2017/12/05/salehs-death-puts-yemens-war-at-crossroads.html [6] BBC interview on Yemen, retrieved from: https://www.youtube.com/watch?v=0AhL91f5oBw [7] Situation Report, (2017). Stratfor, retrieved from: https://worldview.stratfor.com/node/285783/content-email?utm_source=Twitter&utm_medium=social&utm_campaign
Ramy Jabbour developed an early interest in politics and international relations. He joined Notre Dame University- Louaize in 2010 where he received a degree in International Affairs and Diplomacy with several distinctions and currently pursuing a Master’s degree in Political Science. He has previously worked as an assistant consultant at Macarlea advisory group: a communication and risk consultancy and a project officer at Statistics Lebanon. He is currently the Head of Office of the Minister of State for Administrative Reform and a researcher at the Middle East Institute for Research and Strategic Studies. His research focuses on Saudi Arabia, Yemen, and Gulf politics.