بدأت تتّضح معالم المرحلة السياسة المقبلة في المملكة العربية السعودية خصوصاً من خلال تتبّع القرارات التي يتّخذها الملك سلمان أو من خلال تحرّكات نجله ولي العهد محمد بن سلمان. يبدو جليّاً مدى ارتباط السياسة الخارجية السعودية وعلاقاتها الاقليمية والدولية مع الخطوات التي يقوم بها محمد بن سلمان لاعتلاء العرش بعد فترة قد تكون قريبة.
السياسة الداخلية
يقوم الملك باتخاذ قرارات تصبّ في صالح تسهيل وصول ابنه للعرش بصورة القائد الشاب التغييري المنفتح على عالم الغرب وأفكاره والمحارب للتطرف الاسلامي وغلبة الدين على سياسات الدولة. بعض القرارات والخطوات التي اتّخذها الملك في هذا الاطار هي:
أمر الملك سلمان لوزير الداخلية باعداد مشروع نظام
السماح للمرأة بقيادة السيارات والتي تعد كخطوة تاريخية
اعتقال عدد كبير من رجال الدين والمشايخ المعروفين بقربهم أو انتمائهم لتيار الصحوة
اضعاف دور هيئة «الأمر بالمعروف والمنكر». حيث هناك حديث عن الغائها بعد تقديم توصية لمجلس الشورى السعودي، لدمج هيئة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، لتصبح تحت وزارة واحدة
مشاريع ترفيهية (سينما، مشروع سياحي ضخم في البحر الأحمر) وخطوات تحريرية للمرأة من ضمنها السماح لها في الاختلاط مع الرجال في العيد الوطني السعودي
قرار لمجلس الشورى السعودي يجيز للمرأة اصدار فتوى شرعية، بعدما كان هذا المنصب للعلماء الرجال فقط
اضافة الى اعطاء هذه الخطوات صورة ايجابية عن ولي العهد خصوصاً عند الفئة الشابة السعودية وللقيادة الأميركية، من المحتمل أن تساهم هذه القرارات بتخفيف الضغط عن ولي العهد في المستقبل القريب وتحريف الأنظار عن بعض الخطوات غير الشعبية التي سيتّخذها مثل فرض ضرائب على الشعب السعودي واعتماد سياسة تقشّف اقتصاديّة.
أمّا من ناحية المعارضة الداخلية، وأهمها في عائلة آل سعود، تحدّثت الكثير من التقارير الغربية وبعض المعلومات لمعارضين سعوديين عن وضع ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف قيض الاقامة الجبرية واعتقال الأمير عبد العزيز بن فهد بعد انتقاده لمحمد بن زايد.
معارضة داخلية محتملة
قد تأتي معارضة داخلية محتملة ومؤثرة من خلال وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبدالله لما له من تأثير عسكري على أرض الواقع. أما من ناحية رجال الدين والمشايخ (خصوصاً من عائلة آل شيخ)، فقد تبيّن مدى سيطرة الملك وولي العهد على قراراتهم خصوصاً بعد السماح للمرأة بقيادة السيارات ومباركة بعض العلماء لهذا القرار. من المحتمل أيضاً، أن تأتي معارضة من بعض رجال الدين والعلماء المتأثرين بنهج الاخوان المسلمين رغم القمع الكبير الذي يمارس بحقهم.
العلاقات الخارجية والتأثير على الداخل
الامارات ومصر: أصبح من الواضح أيضاً اتجاه السياسة الخارجية للملكة العربية نحو تطوير العلاقات مع الدور الاقليمية “المعتدلة” كمصر والامارات والقوى المواجهة للاسلام السياسي. يبدو جليّاً تأثير ولي عهد أبو ظبي ونائب رئيس الحكومة الاماراتية الشيخ محمد بن نهيان على الأمير الشاب لما لأبو ظبي من علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأميركية (تأثير ملفت للسفير الاماراتي في أميركا وقوّة لمجموعات الضغط الاماراتية). وقد ظهر هذا الأمر من خلال تسريبات السفير عتيبة وتسويقه لمحمد بن سلمان كقيادي واعد في المستقبل والتلميح عن تحالف لدول “علمانية” في المنطقة.
اسرائيل: كثرت التقارير عن انفتاح سعودي واماراتي تجاه اسرائيل حيث ربطها البعض بتصريحات الجبير في الأمم المتحدة. لم يتّضح بعد مدى جدّيته لهذه العلاقات.
روسيا: عكست الزيارة التاريخية التي قام بها الملك سلمان لموسكو عن أهمية العلاقة الثنائية بين المملكة وروسيا. رغم الاختلاف السابق في مقاربة بعض ملفات المنطقة، الّا أن السعودية لم تعترض على خطّة روسيا لمناطق خفض النزاع في سوريا. وقد امتنعت موسكو في السابق عن استخدام حق النقض لتوقيف قرار دولي عن الأزمة اليمنية في مجلس الأمن، ما اعتبر اشارة روسيا ايجابية تجاه السعودية. من الوارد أن تحاول الرياض ابعاد موسكو عن طهران في ثلاث ملفات أساسية ألا وهي اليمن، سوريا، والعراق.
التركيز على تشديد عزلة قطر واضعافها داخلياً وتخفيف تأثيرها في التدخّل بالأمور الداخلية لدول المنطقة
محاولة الوصول الى حلّ سياسي في اليمن خصوصاً بعد الفشل العسكري السعودي للحسم من جهة وعدم الاتفاق مع الامارات على خارطة طريق للحل من جهة أخرى. وقد يساهم الخروج من ورطة اليمن بتحسين وضع
الأمير الشاب في الداخل السعودي وتسهيل عملية الخلافة
محاولة تحييد المعارضين الشيعة في السعودية المرطبتين سياسياً بايران وابعادهم عن أي ردّة فعل معارضة عند انتقال السلطة. وقد تكون بعض علامات الانفتاح على الحكومة العراقية ومقتدى الصدر تصبّ في نفس الخانة
عدم ظهور حتى الآن خطّة ونيّة أميركية واضحة لضرب النفوذ الايراني في المنطقة والتركيز فقط على محاربة داعش والارهاب الاسلامي السنّي حالياً مما يدفع السعوديّة للحظر في مواجهة ايران
خلاصة
أولاً، يبدو الأمير محمد بن سلمان مستعجلاً لاستلام قيادة المملكة قبل وفاة والده. ومن الظاهر أنه وضع خطة داخلية-خارجية محكمة لهذا الأمر من خلال عزل قطر ومحاربة القوى الاسلامية في الداخل والخارج، هدنة مرحلية مع ايران والخروج من الحرب اليمنية، اصلاحات داخلية “ليبرالية” وتحالف قوي مع مصر والامارات، قصقصة جوانح بن نايف في وزارة الداخلية، تطوير العلاقة السعودية-الروسية وعلاقته الشخصية مع ترامب وفريق عمله
ثانياً، ليس من الواضح من سيكون ولي عهد محمد بن سلمان في حال استلم الحكم قريباً. لكن من المحتمل جدّاً تعيين لولي عهدٍ من الجيل الثالث أو الرابع (من جيل بن سلمان) كي يتمكّن الملك المقبل من فرض نفسه. وقد ورد في احدى التقارير الاستخباراتية عن سيناريو محتمل لتعيين محمد بن سلمان كرئيس لحكومة لفترة انتقالية قبل ان يستلم الحكم كلياً بعد فترة. وقد شهدت السعودية سابقاً حالة مماثلة مع الملك فيصل بن عبد العزيز
ثالثاً، ليس من السهل والسلاسة أن يقوم ولي العهد بسلخ العقد الجتماعي الذي بناه مع السلطة الدينية الوهابية وفكرها المتزمّت أضف الى تغييره للسياسة الاقتصادية الداخلية بدون أي تأثير سلبي على سلطته في المستقبل. فرض ضرائب على شعب تعوّد على رعاية اقتصادية-اجتماعية كاملة من الدولة-العائلة قد يؤجّج الوضع داخلياً
رابعاً، قد تساهم عملية فتح لقنواتٍ مع القوى الشيعية في العراق واعادة تحريك للملف اللبناني كخطوتان أساسيتان لمواجهة ايران وحلفائها في المستقبل أو لعدم ترك بيروت وبغداد تقعان كليّاً تحت يدا طهران. لكن الأمر مختلف جداً في سوريا حيث تبين من خلال متابعة الأحداث عن تقسيم للنفوذ هناك بين تركيا وايران تحت ادارة روسيا مع تراجع للدور العربي وخصوصاً السعودي
خامساً، تبقى الاحتمالات مفتوجة وقابلة للتغيير في حال قررت ادارة ترامب بالفعل وضع المواجهة مع ايران كأولويّة، ما سينعكس حكماً على الخطة السعودية في المنطقة
Ramy Jabbour developed an early interest in politics and international relations. He joined Notre Dame University- Louaize in 2010 where he received a degree in International Affairs and Diplomacy with several distinctions and currently pursuing a Master’s degree in Political Science. He has previously worked as an assistant consultant at Macarlea advisory group: a communication and risk consultancy and a project officer at Statistics Lebanon. He is currently the Head of Office of the Minister of State for Administrative Reform and a researcher at the Middle East Institute for Research and Strategic Studies. His research focuses on Saudi Arabia, Yemen, and Gulf politics.