استعادت خطوة الكونغرس الأمريكي بالتصويت على تمرير “قانون العدالة ضد رعاة الارهاب” المعروف ب”جاستا” وتخطّيها لڤيتو الرئيس باراك أوباما ا حول مستقبل العلاقات السعودية-الأميركية في خضم التطوّرات الشرق أوسطية. لقد اعتبر هذا القانون أداة قد تستعملها عائلات المتضررين من أحداث ١١ أيلول لمقاضاة المملكة العربية السعودية التي يحمّلها البعض منهم مسؤولية هذه الاعمال الارهابية. فما هو القانون وما هي تبعاته السياسية؟ وما مدى تأثيره على العلاقات السعودية-الأميركية وعلى تحالفهم الاستراتيجي؟
ما هو قانون “جاستا”؟
يمنح هذا القانون المواطنين الأميركيين القدرة على رفع دعاوى بحق أفراد، جماعات ودول لدعمهم بشكل مباشر أو غير مباشر لمنظمات ارهابية أو أفراد متورّطين في عمليّات ارهابية ضد الولايات المتّحدة الأميركية. من الضروري الملاحظة أن “جاستا” لم يذكر في صفحاته أحداث ١١ أيلول ولا المملكة العربية السعودية. ومن الواضح أيضاً، أنّ هذا القانون أشمل من المملكة العربيّة السعوديّة كدولة ومن ١١ أيلول كحادثة. لكنه، سيسهّل على أي مواطن أميركي الادّعاء على السعوديّة أو على أي دولة أخرى لمقاضاتها في حادثة ١١ أيلول أو أي حادثة ارهابية أخرى حصلت ضد الولايات المتحدة الأميركية .[1]
الرياض وأحداث ١١ أيلول
لم تثبت التحقيقات حتّى الآن تورّط المملكة العربية السعودية بشكلً مباشر أو غير مباشر في حادثة ١١ أيلول رغم مشاركة ١٥ من أصل ١٩ شخص يحملون الجنسيّة السعوديّة في تنفيذ هذه العمليّة الارهابية. وكخطوة لتأكيد عدم تورّطها بالعملية بعد عمليّة ١١ أيلول، طلبت الدولة السعودية من الولايات المتّحدة نشر ٢٨ صفحة فرض عليها السريّة من تقرير التحقيقات للدفاع عن نفسها في العلن. ولكن إدارة الرئيس السابق جورج بوش رفضت ذلك بذريعة أنه سيضعف قدرتها على جمع معلومات استخباراتية عن المشتبه بتورطهم في عمليات إرهابية، وهو النهج الذي اتبعته إدارة أوباما. مع ذلك، يتحدّث مسؤولون سابقون في مكتب التحقيقات الفدرالي ال FBI عن عراقيل وضعت أمامهم حين كانوا ينوون التحقق من دورٍ ما للسفارة أو القنصلية السعودية في لوس أنجيلوس في الهجوم الارهابي. بالاضافة الى ذلك، يتحدّث بعض المحققون وأعضاء لجنة الكونغرس المولجين متابعة هذا الملفّ عن علاقة السفير السعودي في الولايات المتّحدة حينها الأمير بندر من سلطان ببعض الانتحاريين وتحويل بعض الأموال لهم من خلال السفارة عبر جهةٍ ثالثة قبل العمليّة الارهابيّة.[2]
العلاقات المتأزّمة
لم يأت التوتّر في العلاقات ما بين الدولتين من عدم. فلقد تراكمت الأحداث التي أبعدت الطرفين من بعضهما البعض. فلقد اعتمد الرئيس باراك أوباما سياسة عدم الغوص في ازمات الشرق الأوسط. واختلفت لاحقاً مقاربة تطوّرات الربيع العربي بالاضافة لعدم تدخّل الولايات المتّحدة الأميركيّة في الأزمة السورية لانهاء حكم بشار الأسد خصوصاً بعد ستخدامه الأسلحة الكيميائية. أمّا الاتفاق النووي مع ايران فقد كان من الأسباب الرئيسية لزيادة البرودة في العلاقات بين الدولتين. وقد أتت العديد من تصريحات أوباما لتأكّد غياب الكيمياء بين الطرفين واختلاف الأوّلويات والنظرة للتطوّرات في المنطقة
خلاصات ونتائج محتملة للقانون
كان من المتوقع أن يسعى أعضاء مجلس النواب ومن ثمّ مجلس الشيوخ لإقرار هذا المشروع في سنة انتخابية يحاول السياسيون الأميركيون فيها استدرار عطف الناخبين والظهور أمامهم بالمظهر الوطني الحريص على مصلحة عائلات الضحايا. وبطبيعة الحال، فإن أي من الأعضاء لم يكن يحب أن يتم النظر إليه على أنه ضد القانون خوفاً من أن يتم استغلال ذلك في الانتخابات المقبلة. مما أدى الى تمريره في المجلس و من ثم الى كسر الفيتو الرئاسي عليه. ولم تمض أيّامٍ قليلة لتصويت الكونغرس على قانون “جاستا” حتّى بدأ بعض المتضررين برفع دعاوى على المملكة العربية السعودية
:أمّا تردّدات هذا القانون فهي كثيرة ونذكر منها
أوّلاً، سيزيد “جاستا” من عامل اللا ثقة بين الدولتين رغم محاولة الرئيس الأميركي منع تمرير هذا القانون بعض التصويت عليه في الكونغرس
ثانياً، لن يطال “جاستا” السعودية طالما ان التحقيقات الحالية لم تثبت لها أي صلة بأحداث ١١ أيلول، بل على العكس قد يكون سبباً لتبرئتها نهائياً منذ الدعوى الأولى. لكن هذا لن يمنع المتربّصين بالمملكة، كاللوبي الايراني في واشنطن، من السعي لتشويه صورة السعودية حتّى صدور نتائج التحقيقات بالدعاوى
ثالثاً، في حال اثبات تورّط السعودية أو أي جهة أخرى في أحداث ١١ أيلول، من الممكن للعامل السياسي أن يعرقل مجرى العدالة. يلحظ قانون “جاستا” آلية لإيقاف الدعاوى المقامة ضد الدول أو أية جهات أخرى، وينوطها بوزير الخارجية الذي يتقدم بشهادة تثبت مشاركة الإدارة بمناقشات مع الجهات المتهمة للتوصل الى حلول
رابعاً، يظهر تصويت الكونغرس على هذا القانون نيّة استخدام أعضائه لقانون “جاستا” للاستهلاك الداخلي وليس كمسعى لانهاء التحالف مع الرياض رغم البرودة التي شابت العلاقة في عهد الرئيس باراك أوباما. لقد كان مجلس الشيوخ نفسه قد نوّه بالصداقة الأمريكية السعودية خلال رفض التصويت على قرار من شأنه أن يمنع بيع أسلحة للرياض، شبيهة بالتي تقوم باستخدامها في التدخل العسكري في اليمن.[3]
خامساً، سيعيد “جاستا” النقاش حول الأولويّة بين القانونين الداخلي والدولي وحول مبدأ سيادة الدول. فقد تعمد أي دولة أخرى على اقرار قانون مثيل ورفع دعوى على دولة أخرى للتورّط في دعم الارهاب.[4] ويمكن لأي دولة أن تقوم بالفعل ذاته وتقرّ قانون يحاسب الولايات المتّحدة على “جرائم حرب” أو لدعمها لتنظيمات تضنّفها الدولة المقرّة للقانون بالارهابيّة. وقد يعمد مواطن متضرّر من حوادث ١١ أيلول الادّعاء على إيران مثلاً المتهمة من خلال الحرس الثوري بالضلوع في هذه العمليّة الارهابيّة.[5] من المؤكّد أنّ هكذا قوانين تضرّ بالعلاقات بين الدول وتعيد النقاش حول السيادة الوطنية
.وفي الختام، تبرز الانتخابات الرئاسية الأميركيّة كالحدث الأبرز لتحديد اتّجاه العلاقات الثنائية بين الدولتين الصديقتين اللدودتين