تَعكِسُ حادثة القصير بين الشرطة العسكرية الروسية وحزب الله، وبعض الوقائع التي سَبَقتها وتَلَتها، تَعَارُض أهدافِ الأصدقاء – الأعداء على المدى البعيد في سوريا. ويبدو أن روسيا بدأت تخطو نحو احتواء إيران وميليشياتها في بلاد الشام، خوفاً على مصالحها ونفوذها الطويل الأمد هناك. يُشَكِلُ الضغط الأميركي والإسرائيلي عاملاً إضافياً لِدَفعِ روسيا في هذا الإتجاه. لكن يبدو أن كبح جماح إيران وميليشياتها في سوريا لن يكون قابلاً للتحقيق في وقتٍ قريب، بالرغم من تقاطع مصالح واشنطن وموسكو وتل أبيب إلى حدٍّ مُعين حول هذه القضية.
أثار نشر عسكريين روس في سوريا قرب الحدود اللبنانية مطلع حزيران الماضي خلافاً مع قوات مدعومة من إيران ومنها حزب الله اللبناني الذي عارض هذه الخطوة “غير المنسقة” بحسب ما قال مسؤولان في التحالف الإقليمي الداعم لدمشق.[1] وجرى حل الموقف بعد استلام جنود من الجيش السوري من الفرقة 11 المواقع التي إنتشر بها الروس قرب بلدة القصير في منطقة حمص.[2] هذا بإختصار ما حصل بحسب بعض المصادر الموالية لما يُعرف بمحور المقاومة،[3] وتبين لاحقاً أن معظم وسائل الإعلام قد تبنت هذه الرواية، في موازاة عدم نشر الجيش السوري وقاعدة حميميم الروسية أي بيانٍ حول تلك الحادثة. وفي التفاصيل، تُشير المعلومات المتداولة بأنه حصل “إنتشار مفاجئ”[4] للشرطة العسكرية الروسية على الحدود السورية اللبنانية، عند معبر جوسية الحدودي بين لبنان وسوريا، وقرية المعرية، ومحطة مياه القصير، ومنطقة العقربية (مستند رقم 1).[5] إلا أن الإتصالات أفضت الى انسحاب الشرطه العسكريه الروسيه بعد 24 ساعة من النقاط التي انتشرت بها في ريف القصير، لتحل محلها الفرقة 11. و”إن قائد الشرطة العسكرية الروسية في سوريا حضر شخصياً الى معبر جوسية الحدودي وتحدث عن مرحلة ثانية ستشمل مناطق القلمون بين لبنان وسوريا”.[6] كما تضاربت الأنباء حول إنسحاب حزب الله من مدينة القصير وريف حمص على امتداد السلسلة اللبنانية الشمالية،[7] ليتضح لاحقاً أن ما جرى هو انسحاب إعلامي، فيما حافظ عناصره على مواقعهم هناك.[8]
لا شك أن حصر “حادثة القصير” في “عدم التنسيق”، و”الإنتشار المفاجئ” للقوة الروسية في بعض النقاط الحدودية، لا يعدو سوى محاولةً للتسخيف من دلالاتها، في ظل غياب الإيضاحات الرسمية حول خلفية هذا الإنتشار. لذلك يجب وضع هذه الحادثة في سياق وقائع أخرى سبقتها وتلتها، مع الإضاءة على الأهمية الإستراتيجية لنقاط انتشار الشرطة العسكرية الروسية في منطقة القصير، ما سيسمح لنا بالخروج بقراءة موضوعية حول أبعاد هذه الخطوة التي أقدمت عليها موسكو.
إنتشار روسي في مواقع حيوية لحزب الله وإيران
يقول أحد القادة العسكريين الموالين لما يُعرف بمحور المقاومة في تصريحٍ له بعد حادثة القصير، بأن ما حصل ربما كان “حركة تطمين لإسرائيل… بعد كل ما قيل من الجانب الإسرائيلي عن هذه المنطقة”.[9] هذا القول صائب في جانبٍ كبيرٍ منه. لكن ما تم إغفاله هو أن أهمية هذه “المنطقة” بالنسبة لحزب الله لا تقتصر في الواقع على بعض النقاط التي تم التصويب عليها في الإعلام، على الرغم مما تختزنه من مواقع عسكرية ذات أهمية كبرى بالنسبة له، بل تمتد نحو الشمال، وبشكل خاص إلى مطار الضبعة العسكري الذي يقع شمال شرق مدينة القصير، والذي كان هدفاً للغارات الإسرائيلية قبل وقوع الحادثة.[10] وتؤكد المعلومات التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان على ذلك، وتختلف في جزءٍ منها عن المعلومات التي سوقها التحالف الإقليمي الداعم لدمشق. ويُشير المرصد أنه تم بعد الحادثة “رصد إنسحاب القوة الروسية المتواجدة في منطقة القصير ومحيط مطار الضبعة العسكري”، و”الذين انتشروا بعد الضربة الإسرائيلية التي جرت في الـ 24 من أيار الفائت من العام الجاري” على المطار.[11] الأرجح أن نشر هذه القوات هناك والإستعانة بها قد أتى بهدف تطبيق القرار الصادر عن قائد سلاح الجو في النظام السوري اللواء أحمد بلول، الذي يمنع بموجبه إستخدام القوات والعناصر الإيرانية ومقاتلي حزب الله لـ “هنغارات الطائرات في المطارات”، ليقتصر استخدامها على القوات الجوية السورية فقط، وذلك تجنباً لتعرضها للقصف من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي. قرار بلول كشفه تقريرٌ تم نشره بعد ثلاثة أيام من الضربة الإسرائيلية على المطار نقلاً عن مصدر يعمل في سلاح الجو السوري.[12] ويُشير المصدر بأن قرار بلول جاء بعد الغارة الجوية الاخيرة على مطار الضبعة العسكري، مضيفاً بأن لقاء الرئيس السوري بشار الأسد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 17 أيار الفائت كان له الأثر في صدور هذا القرار غير المسبوق، حيث طالب بوتين عقب اللقاء بمغادرة القوات الأجنبية سوريا من أجل تحقيق النجاح في العملية السياسية.[13]
تقودنا عملية إنسحاب الشرطة العسكرية من “محيط” مطار الضبعة العسكري إلى استنتاج مفاده أن القوة الروسية لم تتمكن من الدخول إلى حرم المطار لإنفاذ القرار الصادر عن بلول. فالمطار الذي سيطر عليه حزب الله بعد معركة القصير في العام 2013، هو ثكنة إيرانية مغلقة أمام جنود النظام بحسب بعض الضباط المنشقين،[14] ويُستخدم كمركز تدريب للقوات الشيعية الأفغانية بالإضافة إلى الميليشيات الإيرانية.[15] كما يستقبل بشكل أسبوعي طائرات شحن إيرانية محمّلة بالعتاد العسكري والمؤن الغذائية لمقاتليها.[16] وكانت الغارة الجوية قد استهدفت بحسب الإستخبارات الإسرائيلية ثلاثة منشآت تُستخدم في تهريب أسلحة إلى حزب الله.[17] ويُؤشر تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي شدد فيه بعد 72 ساعة من استهداف المطار على ضرورة “العمل لوقف نقل الأسلحة الفتاكة من سوريا إلى لبنان أو إنتاجها في لبنان”،[18] على مدى قلق تل أبيب من نشاط حزب الله العسكري في منطقة القصير. فامتداد هذه المنطقة على مساحة واسعة مع الحدود اللبنانية، جعلها ذات عمق استراتيجي بالنسبة لحزب الله، وممراً أساسياً لسلاحه إلى الداخل اللبناني.
يعمل حزب الله جاهداً منذ انخراطه في الحرب السورية لتثبيت سيطرته على طول الحدود اللبنانية – السورية. وكشفت مؤسسة “ستراتفور” للدراسات الأمنية في العام 2016، عن وجود قاعدة لحزب الله في منطقة القصير على الحدود اللبنانية، حيث تم بناء مواقع دفاعية كبيرة بعد السيطرة على المنطقة في حزيران 2013. ويشير تقرير”ستراتفور” إلى أن ضباطاً من الحرس الثوري الإيراني يتفقدون قاعدة القصير بشكل دائم، وهي تشمل محطات مراقبة وأنفاق تؤدي إلى الأراضي اللبنانية، ومخازن للأسلحة تحتوي على مجموعة من الصواريخ، بما في ذلك الصواريخ البالستية. ويسعى حزب الله مستقبلاً لتأمين وجودٍ دائم له في تلك القاعدة حتى بعد انسحابه من القتال في سوريا، بالإضافة لتأمينها كموقع للوجود والمشاركة العسكرية الإيرانية في سوريا.[19]
لقد توصلنا بعد عملية تدقيق في صور الأقمار الصناعية التي ارتكز عليها تقرير “ستراتفور”، إلى تحديد المواقع التي تشملها قاعدة حزب الله، وذلك من خلال الإعتماد على خدمة “خرائط جوجل” (مستند رقم 2). وتبين أن هذه المواقع تنتشر جميعها في محيط بلدة “النزارية” وقرية “جوسية” على الحدود اللبنانية – السورية. لذلك، لا ينظر حزب الله إلى الشرطة العسكرية الروسية التي تمركزت عند معبر جوسية الحدودي كقوةٍ لمراقبة حركة المعبر مع لبنان، بل يَعتَبِرُ ذلك بمثابة خَرقٍ لمنطقة عسكرية حيوية، وهذا ما لن يقبل به تحت أي شكل من الأشكال. ينسحب هذا الواقع أيضاً على النقاط الأخرى التي انتشرت فيها القوة الروسية غرب معبر جوسية، عند قرية المعرية ومحيط العقربية. فقرية المعرية قريبة من بلدة “حوش السيد علي” التي تضم معسكراً كبيراً لحزب الله بحسب المدير السابق لمركز القصير الإعلامي جعفر محب الدين،[20] وتُستخدم الطرقات هناك لتهريب السلاح القادم من إيران إلى الداخل اللبناني،[21] كما لتوفير الإمدادات لقوات حزب الله وحلفائه إلى الداخل السوري منذ اندلاع الحرب السورية.[22] ووفقا ل “محب الدين”، هناك معسكر آخر تابع لحزب الله في بلدة حاويك،[23] التي تتبع إدارياً لبلدية العقربية. قرية أخرى تابعة إدارياً لبلدية العقربية تحتل موقعاً مهماً بالنسبة لحزب الله، إسمها قرية وادي حنا، سكانها من الشيعة اللبنانين، وتبعد عن الحدود السورية اللبنانية حوالي 2 كم. فبحسب تقرير نُشر في العام 2013 لعضو الهيئة العامة للثورة السورية أحمد القصير، قام النظام السوري خلال السنوات السابقة للعام المذكور بحفر نفقٍ ومستودع للأسلحة الكيميائية داخل قرية وادي حنا الجبلية، يصل ضمن الجبال الى منطقة سهلات المي داخل الأراضي اللبنانية، ويبدأ النفق في الأراضي السورية بالقرب من منزل المدعو جاد كريم نمر.[24] وربطت جريدة الأخبار اللبنانية القريبة من حزب الله بشكل غير مباشر بين هذه البلدة وموضوع السلاح الكيميائي، حين نشرت في العام 2015 تقريراً تُشير فيه إلى أن معارضين سوريين زودوا الإسرائيليين بمعلومات عن حزب الله ومواقعه، تتضمّن “معلومات مُسرّبة من ضباط في الجيش السوري عن تحركات لعناصر من حزب الله في قرية وادي حنا السورية، إضافة الى معلومات عن نقل مواد كيماوية من سوريا الى اليمن”.[25] موقعٌ آخر في منطقة القصير حاز على حيزٍ كبير من الإهتمام في العام 2015، بعد تقرير نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية، تُشير فيه إلى وجود مُجَمَع تحت الأرض في منطقة القصير مخصص لتخصيب اليورانيوم، يبعد كيلومترين عن الحدود اللبنانية، وإسمه الرمزي هو “زمزم”. وارتكزت المجلة في تقريرهاً على وثائق حصرية، وصور إلتقطتها الأقمار الصناعية، إضافةً إلى محادثات إعترضتها أجهزة الإستخبارات.[26] عاد الحديث عن هذا الموقع في أيار الفائت من العام الجاري، حين أعلن “معهد العلوم والأمن الدولي” الأميركي أنه لا يستطيع تأكيد ما نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية في العام 2015. لكن في المقابل، حثّ المركز الجمعية الدولية للطاقة الذرية على فحص الموقع الذي من المفترض أن تعمل فيه السلطات السورية بدعمٍ من إيران وكوريا الشمالية على إنشاء مفاعل نووي جديد.[27] لتحديد الموقع، دققنا في صور الأقمار الصناعية التي نشرها معهد العلوم والأمن الدولي. وتبين لنا بعد الإستعانة بخدمة “خرائط جوجل” وأحد المواقع الإلكترونية المختص بتحديث خريطة تفاعلية عن الحرب السورية،[28] أن موقع “زمزم” يقع في محيط قرية وادي حنا وربما داخل نطاقها الجغرافي. بالتالي، هذا يطرح السؤال حول ما إذا كان موقع زمزم هو في الوقت عينه مستودع الأسلحة الكيميائية المفترض وجوده في قرية وادي حنا. لكن ما يستوجب الإنتباه في ما خص هذه المسألة برمتها، هو أن نقطة الشرطة العسكرية الروسية التي تمركزت في محيط بلدة العقربية، تقع على الطريق الذي يصل من القصير إلى العقربية، ومن هناك إلى بلدة حاويك ووادي حنا (مستند رقم 3)، وبطبيعة الحال إلى موقع “زمزم”.[29]
أما في ما يتعلق بانتشار الشرطة العسكرية الروسية عند محطة مياه القصير، فتُشير المعلومات إلى أن عناصرها قد أقاموا موقعاً عسكرياً ضخماً ومُحكم التحصين هناك،[30] ربما كان يُراد منه أن يكون بمثابة نقطة إلتقاء بين كافة المواقع التي انتشرت القوة الروسية فيها.
مستند رقم 1: خريطة تُظهر نقاط إنتشار الشرطة العسكرية الروسية في القصير.[31]
مستند رقم 2: قاعدة حزب الله في منطقة القصير بحسب موقع ستراتفور.[32]
A – خريطة نشرها موقع ستراتفور تُحدد المواقع التي تشملها قاعدة حزب الله في القصير: (1) أكبر مُجَمَع محاط برصيف ترابي؛ (2) زيادة التحصينات على طول الحدود السورية اللبنانية؛ (3) منشأة للمخابرات أو التدريب.
E,D,C,B – تُظهر خرائط جوجل في المقارنة مع خريطة موقع ستراتفور أن هذه المواقع تنتشر جميعها في محيط بلدة “النزارية” وقرية “جوسية” على الحدود اللبنانية – السورية.
مستند رقم 3: خريطة تُظهر نقطة الشرطة العسكرية الروسية في محيط بلدة العقربية، والتي تقع على الطريق الذي يصل من القصير إلى العقربية، ومن هناك إلى بلدة حاويك ووادي حنا وموقع زمزم.
روسيا تستثمر في العشائر البقاعية بهدف الضغط على حزب الله
في حين أن حادثة القصير كان ستتطور إلى مواجهة بين الشرطة العسكرية الروسية وميليشيات إيران على الأرض السورية، تشير بعض الأحداث التي أعقبت انسحاب القوة الروسية من القصير إلى تصاعد التوتر بين موسكو وطهران مع دخول عشائر لبنانية في لعبة شدِّ الحِبال بين الطرفين. فبعد أقل من أسبوعين على وقوع حادثة القصير، أدت اشتباكات مسلحة في بلدة زيتا الحدودية مع لبنان بين أفراد من عشيرة آل الجمل المُقَرَّبة من حزب الله وآخرين من عشيرة آل جعفر المُقَرَّبة من روسيا، إلى مقتل المدعو”محمد شامل جعفر”، وذلك على خلفية إشكال سابق قُتل فيه مسؤول عسكري لحزب الله في سوريا من آل الجمل.[33] وبينما يبدو الأمر وكأنه ثأر تقليدي بين العشائر البقاعية، يُشير تقرير نشره موقع “سنديكيشن بيورو” إلى أن ما حصل يعكس شقاقا مُتنامِياً بين روسيا وإيران، إذ أنه في الوقت الذي تحاول فيه موسكو تجنيد العشائر وإنشاء ميليشيات لبنانية – سورية، يحاول حزب الله إظهار نفسه على أنه من يملك اليد الطولى في البقاع، حيث ما زالت تحافظ العشائر على الأعراف القبلية. ويُضيف التقرير أن حزب الله منذ تأسيسه في العام 1982، تنصّل من العشائر الشيعية اللبنانية الكبرى في البقاع، كعشائر آل جعفر وآل زعيتر وآل المصري وآل دندش وآل شمص. وحين كان النظام السوري يسيطر على لبنان، تمكّن رئيس الإستخبارات غازي كنعان من إخضاع تلك العشائر من خلال منحها امتيازات في الدولة اللبنانية مقابل الحصول على ولائها، لكنها تُركت لتواجه مصيرها بنفسها بعد الإنسحاب السوري من لبنان. إلا أن موسكو قررت في العام 2015 إحياء قوة كنعان العشائرية بهدف استخدامها كقوة مناوئة لحزب الله كما فعل بشار الأسد قبلها، وبدأ سفيرها في بيروت ألكسندر زاسبكين الإتصال مع خريجي الكليات الروسية، وكانت أكثر العلاقات الروسية تطوراً مع العشائر الشيعية اللبنانية تلك التي أقامتها موسكو مع قبيلة آل جعفر التي تتباهى بأنها تستطيع حشد خمسة آلاف مقاتل، وبالمثل تزعُم عشيرة آل زعيتر أنها تدير ميليشيا يتراوح قوامها بين خمسة آلاف وعشرة آلاف مقاتل.[34] بيد أن هذه الأرقام تحمل الكثير من المبالغة، إذ أنه حتى أيار من العام الماضي، كان عدد المقاتلين الذين انضووا تحت تنظيم مسلح أُطلق عليه إسم “درع الوطن” يُقارب ال 500 مقاتل بين سوريين ولبنانيين. ويقود هذه الميليشيا الحاج محمد جعفر من عشيرة آل جعفر، وهي تنتمي بشكلٍ محدد إلى اللواء الأول من الفيلق الخامس الذي أسسته موسكو. ويؤكد جعفر، الذي لا يحمل الجنسية السورية، أن مجموعته والفيلق الخامس بشكل عام لا تدعمهما روسيا إلا من خلال تقديم الدعم المالي والسلاح.[35] بعض القراءات تُشير إلى أن مشروع الفيلق الخامس في الجيش السوري هو مبادرة روسية تهدف إلى ردع النفوذ الإيراني في البلاد، من خلال دعم التكوينات المرتبطة بشكل أكبر بالدولة السورية. لكن جعفر الذي لا تتلقى كتيبته أي مساعدة إيرانية، يُقلل من أهمية المنافسة بين موسكو وطهران. وهو من الناحية التنظيمية ليس من ضمن صفوف حزب الله، لكنه عمل مع الحزب لتسهيل شؤونه في المناطق الحدودية، وتحدث عن كونه على نفس المسار الأيديولوجي معه.[36]
القرار 1701 من أجل ضبط الحدود وترسيم المناطق المتنازع عليها؟
يعتمد جعفر كما يبدو البراغماتية في مقاربته المواضيع المتعلقة بحزب الله. لكن تُشير بعض المعلومات التي أدلى بها خلال مقابلة معه بعد شهرٍ من وقوع حادثة القصير، إلى نية موسكو متابعة سعيها لتضييق الخناق على حزب الله في المناطق الحدودية. فحول سؤاله عن سبب وتوقيت إغلاق جميع المعابر الحدودية غير الرسمية بين ريف حمص والبقاع الشمالي، يُجيب جعفر بأن هذه المعابر تُدار في الأصل من قبل الأجهزة الأمنية السورية وكان هناك تسهيلات إنسانية لعبورها من أجل سكان المنطقة الحدودية. لكن التطور الجديد هذه المرة كان وضع حاجز ترابي مع أسلاك حديدية، وزرع الألغام من الجانب السوري، بالإضافة إلى إغلاق المعابر بشكل كامل. ويبرر السبب وراء ما حصل إلى الضجة الإعلامية التي أثيرت حول المعابر، فضلاً عن أعمال التهريب الذي لا أساس لها من الصحة على حدِّ قوله. وعن سؤاله حول وجود خطة لنشر الفرقة 11 في الجيش السوري على طول الحدود بين سوريا ولبنان، يُجيب جعفر: “حتى الآن لا أعرف، وكما أرى، هناك تفاهم متبادل على المستوى الإقليمي والدولي مرتبط بالقرار 1701 المتعلق بالحدود. وسيكون الدور الأكبر لروسيا من الجانب السوري. هذا رأيي، لا يعتمد على أي معلومات سياسية”.[37] كلام جعفر عن القرار 1701 الذي يطالب حكومة لبنان بتأمين حدوده لمنع دخول الأسلحة، كما يلحظ ترسيم الحدود الدولية للبنان لا سيما في مناطق الحدود المتنازع عليها بما في ذلك منطقة مزارع شبعا،[38] لم يأتي من العدم. فحادثة القصير تزامنت مع تلقي لبنان الرسمي عرضاً اسرائيلياً وصله عبر موفد أميركي بشأن ترسيم الحدود براً وبحراً ومن ضمنها مزارع شبعا.[39] لكن لا يبدو أن ملف الترسيم قد أحرز أي تقدم، إذ أعلن رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بعد فترة قصيرة بأن إسرائيل لا تزال ترفض ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.[40] وخرج بعدها نائب حزب الله في البرلمان اللبناني نواف الموسوي ليعلن دعم حزب الله للموقف اللبناني الذي يرفض ترسيم الحدود البرية بمعزل عن ترسيم الحدود البحرية.[41] ضبط الحدود اللبنانية – السورية وترسيمها خاصةً في المناطق المتنازع عليها، تتطلب مجهوداً من الجانب الروسي. فمن الصعب في مكان أن تتمكن أي حكومة لبنانية في المدى المنظور من التقدم بطلب مساعدةٍ إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان لضبط كامل حدودها ومنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتادٍ إلى لبنان وفق القرار 1701، لأن حزب الله وحلفائه سيتصدون حتماً لأية محاولة في هذا الإتجاه. وفي ما يتعلق بترسيم الحدود، فيمكن أن تُسهل موسكو ترسيم المناطق المتنازع عليها كمزارع شبعا، من خلال الضغط على الأسد لتقديم وثائق معينة للأمم المتحدة رفض تقديمها سابقاً، من شأﻧﻬا أن تساعد في دقة رسم الإحداثيات الجغرافية للخط ذي الصلة بالموضوع.[42]
موسكو تعمل وفق مخططٍ هادئ من أجل احتواء الميليشيات الإيرانية في سوريا
تُدرك موسكو بالرغم من الجهود التي تبذلها، أن إحتواء حزب الله الأفضل تنظيماً والأكثر كفاءةً في القتال على الساحة السورية لن يكون بالعملية السهلة. لكن يبدو أن روسيا تعمل وفق مخططٍ هادئ من أجل احتواء الميليشيات الإيرانية، لأن هذا التحالف القائم اليوم بين موسكو وطهران لن يكون بالضرورة مؤاتياً لروسيا على المدى الطويل. فلا شك أن روسيا تتخوف من تحول الميليشيات الشيعية في سوريا إلى كيان عسكري شبيه بحزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي العراقي، ما سيعزز من نفوذ إيران في سوريا على حساب نفوذها مستقبلاً. ورغم أن موسكو وطهران تتشاركان حالياً هدف المحافظة على بشار الأسد في السلطة، لكن يبدو أن المرحلة المقبلة سوف تشهد احتداماً في الصراع بين الطرفين بُغية السيطرة على أجهزة الدولة السورية، والتحكم بالميليشيات الموالية لها. ولا تُعَدُّ محاولة إحتواء حزب الله في القصير المؤشر الوحيد على بداية هذا الصراع. فبعد إنتهاء معارك جنوب دمشق في أيار الفائت، تصاعد الحديث عن مطلبٍ روسي لحل ميليشيا قوات الدفاع الوطني التي أنشأتها إيران، وإلحاق عناصرها بالجيش السوري، خصوصاً أن نسبة كبيرة من مقاتليها هم من المطلوبين للخدمة العسكرية.[43] وفي شهر آب الفائت، قامت الشرطة الروسية باعتقال قائد ميليشيا الدفاع الوطني في دير الزور كدلالة على التوتر الناشئ بين الروس وبين هذه المليشيات.[44] لم تكن حادثة دير الزور يتيمة، إذ كشفت تقارير إعلامية عن قيام جهاز الإستخبارات التابع للنظام السوري باعتقال عدداً من الضباط المسؤولين عن حراسة بشار الأسد وموكبه، في حين تم نقل آخرين إلى مواقع مختلفة.[45] وتُشير المعلومات إلى أن صراع النفوذ الدائر بين ميليشيات الأسد وإيران وروسيا بمنطقة الساحل بدأ بالإنتقال إلى جهاز مخابرات النظام وحرس الأسد الشخصي.[46]
في ظل هذا الصراع المستتر الذي بدأ يطفو على السطح، يسود اعتقادٌ لدى بعض متابعي الشأن السوري بأن الأسد هو أقرب إلى موسكو، فيما يعتبر البعض الآخر أنه أشدُّ صلةٍ بطهران. لكن واقع الحال أن الأسد حليفٌ غير موثوقٍ به، وغالباً ما يحاول اللعب على التناقضات بين إيران وروسيا من أجل تحقيق مصالحه الخاصة. ما يُقلق الأسد فعلياً هو حصول تفاهمات بين روسيا والدول الكبرى قد لا تصب في مصلحته. فإذا كانت موسكو مستعدة للتضحية بحلفها مع طهران مقابل ضمان نفوذها ومصالحها الطويلة الأمد في سوريا، فسوف تكون مستعدة للتضحية بالأسد للغرض نفسه. لذلك يسعى الأسد بشكل واضح من خلال بعض الخطوات التي أقدم عليها في الفترة الأخيرة إلى تدعيم وجود إيران وميليشياتها في سوريا، إذ يَعلَم أن طهران لا تملك إلا خيار التمسك ببقاءه في السلطة كضمانةً لاستمرار مشروعها في المنطقة. فعلى سبيل المثال، يرى مراقبون أن تعيين بشار الأسد لشقيقه ماهر في نيسان الفائت قائداً للفرقة الرابعة بعد أن كان يشرف على قيادة اللواء 42 التابع لهذه الفرقة قد يكون مقدمة لتمكين الأخير من قيادة الجيش السوري. ولا يستبعد هؤلاء أن تكون إيران وراء هذه الخطوة لقطع الطريق على روسيا لتعيين قيادات في الجيش السوري محسوبة عليها وعلى رأسها العميد سهيل الحسن الملقب بـ”النمر”.[47] وفي آب الفائت، تسربت تسجيلات صوتية للعميد الحسن، يُعطي فيها تعليمات لضباط النظام عبر مكالمات هاتفية تم اعتراضها بعدم التعرض لأحد من عناصره أو توقيفه، ومن سيخالف تلك الأوامر فسوف يتم إعدامه فورًا.[48] الخطوة الأبرز التي أقدم عليها الأسد مع حلفاءه الإيرانيين، والتي تتناقض مع مطلب موسكو بمغادرة جميع القوات الأجنبية سوريا، تمثلت بتوقيع وزير الدفاع الإيراني ونظيره السوري في آواخر آب الفائت إتفاقية مكتوبة للتعاون العسكري والدفاعي، تسمح بمواصلة الوجود والمشاركة الإيرانية في سوريا.[49] كما أشارت صحيفة الأخبار اللبنانية إلى أن حزب الله تلقى طلباً رسمياً من القيادة السورية بضرورة بقاء قواته في سوريا لفترة إضافية، حتى بعد انتهاء المعارك في مناطق الشمال الغربي والشمال الشرقي.[50] بحسب تقريرٍ نشرته صحيفة “فوييني أوبوزرين” الروسية، فإن احتمال قيام الأسد بالتوقيع على إتفاقية التعاون العسكري مع طهران من دون التشاور مع موسكو ضئيلٌ جداً. فهو يُدرك تماماً أن أي مواجهة مع الكرملين تُهدد بانسحاب القوات الروسية من سوريا. أما موافقة موسكو بحسب الصحيفة، فتعني أن هذا الاتفاق ليس قاتلاً بالنسبة لتل أبيب، أو أن القصص حول الانسجام القائم بين تل أبيب وموسكو مبالغٌ فيها كثيراً.[51] لكن المعلومات التي نشرتها صحيفة “سفوبودنايا بريسا” الروسية في تقريرٍ لها حول خفايا لقاء الأسد مع وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، تُشير إلى أن هدف طهران من هذا الإتفاق لم يكن فقط التعاون العسكري والوجود الإيراني القائم بحكم الأمر الواقع في سوريا، بل الحصول على الحماية الروسية في وجه الضربات الإسرائيلية، وهذا ما فشلت إيران في التوصل إليه. فقد أشار التقرير أنه في خلال الإجتماع بين حاتمي والأسد، أراد حاتمي أن يقوم الأسد والمسؤولون الروس بتوقيع ورقة تُلزم الإتحاد الروسي والقوات السورية بالرد على الأعمال العسكرية المعادية لإيران من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. ويُضيف التقرير بأن الطلب المذكور لم يُوَقَع من قبل أي شخص، أو ربما تم اقتراح وضع اللمسات الأخيرة عليه. ويبدو بحسب التقرير، أن هذا كان وراء عدم إبداء طهران أي رغبة بالمشاركة في الاستيلاء على إدلب.[52]
تقاطع مصالح الخصوم للحدِّ من نفوذ طهران في سوريا
بجانب ذلك، تواجه روسيا ضغوطاً من اسرائيل لإخراج إيران ووكلائها من سوريا وضمان عدم توسع نفوذها العسكري هناك.[53] وتخشى روسيا من وقوع نزاعٍ كبير بين إيران وإسرائيل، يخرج عن السيطرة، ويقوض كل ما ناضلت من أجله في بلاد الشام. لذلك كان على موسكو الإستجابة للحدِّ الأدنى من متطلبات تل أبيب، من خلال إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الإسرائيلية،[54] وعدم الإعتراض على ضرب إسرائيل أهدافاً إيرانية في سوريا.[55] من جهة أُخرى، تُدرك روسيا بأن الميليشيات الإيرانية في المرحلة الراهنة هي حاجة لتثبيت سيطرة الأسد على المناطق التي استعادها، وذلك بسبب النقص البشري الذي يعانيه النظام في قواته نتيجة معارك الإستنزاف التي خاضها. ما يعني، أن موسكو ستكتفي حالياً بمحاولة إحتواء هذه الميليشيات، ولن تعمل جدِّياً على إخراجها من سوريا تماشياً مع الرغبة الأميركية والإسرائيلية. في كافة الأحوال، لا تملك موسكو هذا الخيار. فإذا كانت تواجه صعوبة في احتواء الميليشيات الإيرانية في سوريا بحسب ما بينته لنا حادثة القصير، فلن تتمكن حكماً من إخراجها خارج البلاد. ولم يتردد بوتين الذي التقى ترامب في قمة هلسنكي في 16 تموز الفائت، في إبلاغ الولايات المتحدة بأن “موسكو لا يمكنها إجبار الإيرانيين على مغادرة سوريا”، بحسب ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون. وأضاف بولتون: “لكنه أبلغنا أيضا بأن مصالحه ومصالح إيران ليست متطابقة تماماً”.[56] وفي تصريح آخر خلال مقابلة مع محطة “إيه بي سي” نيوز، قال بولتون إن “إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة تريد أن ترى جميعها نهايةً لتكريس إيران في سوريا ودعم حزب الله في لبنان”.[57] موقف بوتين كان وراء تنامي الشكوك لدى الإدارة الأميركية حول قدرة روسيا على المساعدة في طرد إيران، ما دفع ترامب الذي كان يريد “الخروج” من سوريا إلى الموافقة على استراتيجية جديدة، يَمتَدُّ فيها المجهود العسكري هناك إلى أجل غير مُسَمى، وتُطلق عملية دبلوماسية كبيرة لتحقيق الأهداف الأميركية.[58] وفي هذا السياق، قال السفير جيمس جيفري الممثل الخاص لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لشؤون سوريا، بأن “السياسة الجديدة لم تَعُد تتضمن الإنسحاب بحلول نهاية هذا العام”، وإن “القوات الأميركية ستبقى في البلاد لضمان رحيل إيران والهزيمة الدائمة للدولة الإسلامية”.[59]
مع هذا، ورغم إقراره بصعوبة إخراج الإيرانيين من سوريا، يبدو أن بوتين قد نجح في استغلال التقدم العسكري الذي حققه الأسد على الأرض، ليفرض معادلة أمرٍ واقع على الأميركيين والإسرائيليين، مفادها أن قبولهم باستمرار الأسد في السلطة وتسهيل استعادته لمناطق المعارضة، سيكون الضمانة لعدم توسع نفوذ إيران في سوريا. وهذا ما يفسر استعادة قوات النظام المدعومة من الطيران الروسي محافظات الجنوب السوري،[60] في الوقت الذي كان من المفترض أن تحتفظ المعارضة بمناطق سيطرتها هناك وفقاً لمذكرة المبادئ الموقعة بين أميركا وروسيا والأردن حول منطقة خفض التصعيد جنوب سوريا.[61] الضوء الأخضر الأميركي لبوتين غربي سوريا ليس من دون ضوابط، بل تتحكم فيه واشنطن من خلال العقوبات على موسكو والنظام السوري،[62] كما من خلال ربط المساعدات الدولية لإعادة الإعمار بعملية سياسية لا رجعة فيها، تُقِرُها وتفعلها الأمم المتحدة.[63] لذلك، فإن إستبدال الأسد للتوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية سيكون أمراً حتمياً بالنسبة لموسكو في مرحلة من المراحل. لكن تتوجه الأنظار حالياً إلى تقاطع مصالح واشنطن وموسكو وتل أبيب في سوريا، وحول إذا ما كانت العقوبات الأميركية على إيران[64] والضربات الجوية الإسرائيلية من جهة، ستلتقي مع مساعي روسيا لإحتواء الميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، لتَفعَلُ فِعلَها، وتنجح في الحدِّ من نفوذ طهران بدايةً، لتعود وتخرجها من سوريا لاحقاً.
الخاتمة
تُظهر الوقائع المحيطة بحادثة القصير، أن انتشار الشرطة العسكرية الروسية في مواقع حيوية بالنسبة لحزب الله لم يكن عرضياً، بل يدخل ضمن مخطط موسكو من أجل احتواء ميليشيات طهران في سوريا. ويبدو أن الهدف الأساسي من هذه الخطوة كان منع تدفق السلاح الإيراني من مطار الضبعة العسكري باتجاه قواعد حزب الله العسكرية في منطقة القصير، ومنها إلى الداخل اللبناني، سعياً للحدِّ من تضخم قوة الميليشيات اللبنانية في هذه المنطقة الحدودية، وتجاوباً مع متطلبات تل أبيب. لم تتوقف جهود موسكو إثر انسحاب شرطتها العسكرية من نقاط الإنتشار، بل يبدو أنها ماضية في مخططها من خلال تجنيد أفرادٍ من العشائر وإنشاء ميليشيات لبنانية – سورية موالية لها هناك. لكن يدل العديد المنخفض لكتيبة “درع الوطن” التي يقودها الحاج محمد جعفر من عشيرة آل جعفر، على أن موسكو غير قادرة إلى حدِّ الآن على مزاحمة حزب الله عسكرياً داخل بيئته. مع هذا، لا يمكن للحزب تفادي الإنعكاسات السلبية التي سترتد عليه في المدى البعيد، إذا ما استمرت موسكو في تقديم الدعم للعشائر المنواءة له. بجانب ذلك، يُمكن لموسكو أن تزيد من ضغوطها على الحزب إذا ما عمدت على ضبط الحدود اللبنانية – السورية من الجانب السوري.
أما في خص الصورة الأشمل، فيبدو إن التحالف القائم بين موسكو وطهران لن يكون مؤاتياً لروسيا على المدى الطويل. فروسيا تريد بدون شك تعزيز مصالحها ونفوذها الطويل الأمد في سوريا، وتُدرك أن تصاعد نفوذ إيران وميليشياتها في بلاد الشام لن يسمح لها بالتقدم في هذا الإتجاه. وللغاية، ستسعى موسكو للسيطرة على أجهزة الدولة السورية، والتحكم بالميليشيات الموالية لها. وهذا ما يُفسر رغبة موسكو في حل الميليشيات الموالية لإيران كميليشيات الدفاع الوطني، واحتواء حزب الله في أماكن تواجده الإستراتيجية كمنطقة القصير. لكن مهمة موسكو لن تكون بالسهلة، بل ستواجه تعنتاً من قبل طهران وميليشياتها كما حصل في القصير، وخطوات من حليفها الأسد تُناقض مساعيها وتعزز من نفوذ إيران في سوريا. في هذا السياق، يجب أن تُبدي موسكو حزماً أكبر مع سياسة الأسد تجاه إيران، وتعمل على بناء هيكلية متماسكة موالية لها داخل الأجهزة الأمنية السورية، تحدُّ من نفوذ طهران فيها، وتتيح لها التخلي عن الأسد لتيسير الحل السياسي في سوريا.
ويُشكل الضغط الأميركي والإسرائيلي عاملاً إضافياً لتحفيز روسيا على المُضيِّ في احتواء نفوذ إيران، إذ تخشى موسكو من وقوع نزاع شامل بين الإيرانيين والإسرائليين يُطيح بكل ما ناضلت من أجله في سوريا. لكن لن يُظهر بوتين مرونةً حول إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا حالياً، قبل تمكينه للجيش السوري الذي يُعاني من نقص بشري جراء معارك الإستنزاف التي خاضها. ما معناه أنه سيكتفي بمحاولة إحتواء تلك الميليشيات في المرحلة الراهنة. في كافة الأحوال، لا وجود لأي مؤشرات حول إمكانية احتواء إيران وميليشياتها، أو إخراجها من سوريا في المدى القريب. واعتبار سيطرة الأسد بدعمٍ من موسكو على جنوب غربي سوريا، كضامن للحدِّ من توسع النفوذ الإيراني، لا تعدو سوى معادلة عقيمة لن تأتي بالهدف المرجو منها. فكما عجزت موسكو عن احتواء حزب الله في القصير، ستعجز مستقبلاً عن منع قيام جبهة جديدة لإيران وميليشياتها في الجنوب السوري والجولان المُحتل، رُغم كل ما قيل عن إبعاد تلك الميليشيات عن الحدود الجنوبية. بكافة الأحوال، إن القرار الأميركي بالبقاء في سوريا سيساهم حتماً في منع تمدد إيران مستقبلاً نحو مناطق شرق الفرات. لكن يبقى الرهان على العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران، وتقاطعها مع جهود موسكو والقصف الإسرائيلي للأهداف الإيرانية، من أجل كبح جماح إيران، وإسقاط مشروعها التوسعي في سوريا والمنطقة.
[1] Laila, Bassam. Tom, Perry. “Exclusive – In Syria, a Russian move causes friction with Iran-backed forces: officials”. Reuters. June 5, 2018.
[2] Ibid.
[3] “الشرطة الروسية تنسحب من القصير بعد خلافات مع ’’حزب الله‘‘”. حرية برس. 5 حزيران، 2018.
[4] المرجع نفسه.
[5] “النقاط الجديدة للشرطة العسكرية الروسية”. مركز نورس للدراسات. 6 حزيران، 2018. الرابط http://norsforstudies.org/2018/06/7119/
[6] “الشرطة الروسية تنسحب من القصير بعد خلافات مع ’’حزب الله‘‘”. حرية برس. 5 حزيران، 2018.
[7] المرجع نفسه.
[8] “بعد مغادرة القوة الروسية المنطقة…حزب الله اللبناني ينسحب إعلامياً من منطقة القصير وغرب حمص المتاخم لحدود لبنان”. المرصد السوري لحقوق الإنسان. 5 حزيران، 2018.
[9] Laila, Bassam. Tom, Perry. “Exclusive – In Syria, a Russian move causes friction with Iran-backed forces: officials”. Reuters. June 5, 2018.
[10] “غارات إسرائيلية تستهدف مطار الضبعة العسكري للنظام في حمص”. المرصد السوري لحقوق الإنسان. 25 أيار، 2018.
[11] “بعد مغادرة القوة الروسية المنطقة…حزب الله اللبناني ينسحب إعلامياً من منطقة القصير وغرب حمص المتاخم لحدود لبنان”. المرصد السوري لحقوق الإنسان. 5 حزيران، 2018.
[12] “Syrian Air Force bans Iranians from using airports hangars: source”. Zaman Al Wasl. May 27, 2018.
[13] Ibid.
[14] “”الضبعة العسكري”..أقدم المطارات الحربية السورية صار ثكنة إيرانية مغلقة أمام جنود النظام”. زمان الوصل. 21 أيار، 2015.
[15] “Iran deployed troops in most army bases: military source”. Zaman Al Wasl. February 10, 2018.
[16] “مقتل 9 إيرانيين في القصف الإسرائيلي لمطار الضبعة”. سكاي نيوز عربية. 26 أيار، 2018.
[17] “Israel intelligence: Syria strike targeted facilities used to smuggle weapons to Hezbollah”. Baladi – Newspapers. May 29, 2018.
[18] Daniel, Salami. Kobi, Nachshoni. “Netanyahu: Israel working to prevent arms production in Lebanon”. Ynet news. May 27, 2018.
[19] “Hezbollah’s Shot at Permanency in Syria”. Stratfor. April 6, 2016.
[20] عماد، كركص. “مواقع “حزب الله” التي استهدفتها الضربات الأمريكية في القصير.. ما الرسالة والأهداف؟”. أورينت نت. 14 نيسان، 2018.
[21] Carl Anthony, Wege. “Hezbollah After Syria”. Fair Observer. July 11, 2013.
[22] Zak, Brophy. “The Key to Damascus Could Lie at the Borders”. Inter Press Service. October 14, 2012.
[23] عماد، كركص. “مواقع “حزب الله” التي استهدفتها الضربات الأمريكية في القصير.. ما الرسالة والأهداف؟”. أورينت نت. 14 نيسان، 2018.
[24] أحمد، القصير. “القرى الشيعية في “القصير” أو جهة الحدود مع لبنان، ما هي؟”. شفاف الشرق الأوسط. 23 شباط، 2013.
[25] رضوان، مرتضى. “إسرائيل ــ ليكس | هوس إسرائيلي بحزب الله من لبنان وسوريا إلى أوروبا”. الأخبار. 16 تموز، 2015.
[26] Erich, Follath. “Evidence Points to Syrian Push for Nuclear Weapons”. Spiegel. January 09, 2015.
[27] David, Albright. Sarah, Burkhard. Allison, Lach. Frank, Pabian. “Is the facility at Qusayr, Syria an underground nuclear facility? Public Evidence remains inconclusive”. Institute for Science and International Security. March 21, 2018.
[28] Map of Syrian Civil War – Syria news today – syria.liveuamap.com. Retrieved June 26, 2018, from https://syria.liveuamap.com/
[29] “النقاط الجديدة للشرطة العسكرية الروسية”. مركز نورس للدراسات. 6 حزيران، 2018. الرابط http://norsforstudies.org/2018/06/7119/
[30] طوني، بولس. ” تحركات “روسية – أمريكية” لإنهاء دور “حزب الله” في سوريا ولبنان”. أورينت نت. 12 حزيران، 2018.
[31] “النقاط الجديدة للشرطة العسكرية الروسية”. مركز نورس للدراسات. 6 حزيران، 2018. الرابط http://norsforstudies.org/2018/06/7119/
[32] “Hezbollah’s Shot at Permanency in Syria”. Stratfor. April 6, 2016.
[33] نسرين، مرعب. “اشتباكات العشائر على الحدود اللبنانية السورية: أين اختفى حزب الله؟”. جنوبية. 20 حزيران، 2018.
[34] Hussain, Abdul-Hussain. “Russia and Iran Contest for Power in Syria through Hezbollah and Shia Clan Proxies”. Syndication Bureau. July 4, 2018.
[35] Aymenn Jawad, Al-Tamimi. “The Rise of Katibat Dir’ al-Watan: A Journey to the Lebanon-Syria Border Areas”. Atlantic Council. June 6, 2017.
[36] Ibid.
[37] Aymenn Jawad, Al-Tamimi. “The Syria-Lebanon Border Areas: Interview with al-Hajj Muhammad Ja’afar”. Aymenn Jawad Al-Tamimi’s Blog. July 19, 2018.
[38] قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 (2006). https://undocs.org/ar/S/RES/1701(2006)
[39] سهى، جفّال. “هل يتلقف لبنان مبادرة «إسرائيل» لترسيم الحدود.. وما هو الدور الأميركي؟”. جنوبية. 6 تموز، 2018.
[40] “لبنان: إسرائيل ترفض ترسيم الحدود البحرية”. سكاي نيوز عربية. 26 حزيران، 2018.
[41] “نواف الموسوي: نحن وراء الدولة في ما تقرر بملف ترسيم الحدود”. قناة المنار. 4 آب، 2018.
[42] تقرير الأمين العام عن تنفيذ قرار مجلس الأمن ١٧٠١ (2006). https://undocs.org/ar/S/2007/641
[43] ريان، محمد. “بعد انتهاء معارك جنوب دمشق… مقاتلو مليشيا “الدفاع الوطني” قلقون على مصيرهم”. العربي الجديد. 27 أيار، 2018.
[44] “الشرطة الروسية تعتقل قائد ميليشيا “الدفاع الوطني” بديرالزور”. أورينت نت. 13 آب، 2018.
[45] “Syria: Some of Assad’s guards secretly arrested”. Middle East Monitor. August 8, 2018.
[46] “اعتقال 4 ضباط من كبار مرافقي وحراس بشار الأسد..هل انتقل صراع الميليشيات لجهاز المخابرات”. قناة اورينت. https://youtu.be/QR5Qpu23Is8
[47] “ماهر الأسد يقود أهم فرقة بالجيش قاطعا الطريق على “النمر””. العرب. 27 نيسان، 2018.
[48] “بوادر انقلاب لـ”سهيل حسن” على “بشار الأسد” (فيديو)”. الدرر الشامية. 19 آب، 2018.
[49] “الأسد “يمدد” وجود إيران في سوريا.. و”يشرعنه” كتابة”. العربية نت. 28 آب، 2018.
[50] “حزب الله باقٍ في سوريا”. الأخبار. 25 آب، 2018.
[51] “إسرائيل عند الخط الأحمر: روسيا اتخذت قرارا نهائيا”. روسيا اليوم. 3 أيلول، 2018.
[52] Zaur, Karayev. “All hope for Moscow: Assad has no soldiers to storm Idlib”. September 12, 2018. Available at: http://svpressa.ru/war21/article/210462/
[53] “Israel rejects Russian offer to keep Iranian forces 100 km from Golan: official”. Reuters. July 23, 2018.
[54] “Russia Offers To Keep Pro-Iran Forces 100 Kilometers From Israeli Border”. Radio Free Europe – Radio Liberty. July 24, 2018.
[55] “Israel hit over 200 Iranian targets in Syria in past 1.5 years”. Daily Sabah. September 5, 2018.
[56] Dan, Williams. “Trump adviser Bolton says Russia ‘stuck’ in Syria, Iran must leave”. Reuters. August 22, 2018.
[57] “Bolton Meets Netanyahu: Iran’s Nuclear Weapons at Top of List of Israeli, U.S. Challenges”. Haaretz. August 19, 2018.
[58] Karen, DeYoung. “Trump agrees to an indefinite military effort and new diplomatic push in Syria, U.S. officials say”. The Washington Post. September 6, 2018.
[59] Ibid.
[60] “النظام السوري يسيطر على السويداء ودرعا والقنيطرة”. أخبار الآن. 2 آب، 2018.
[61] “إيجاز صحفي بشأن البيان المشترك الصادر عن رئيس الولايات المتحدة ورئيس الاتحاد الروسي حول سوريا”. U.S. Department Of State. 11 تشرين الثاني، 2017.
[62] Patricia, Zengerle. Doina, Chiacu. “U.S. lawmakers seek to impose more sanctions on ‘menace’ Russia”. Reuters. August 21, 2018.
[63] Karen, DeYoung. “Trump administration to pull back funding for Syria reconstruction efforts”. The Washington Post. August 17, 2018.
[64] “The return of U.S. Sanctions on Iran: What to Know”. Council on Foreign Relations. August 6, 2018.