لا يبدو أن المعركة القادمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان سوف تكون مجرد نزهة كسابقاتها. الرجل الأقوى في البلاد الذي حافظ على سلطته بشكل غير منقطع منذ العام 2002 وحتى اليوم، قد يصبح خارج قصره في الصيف القادم. الإمتحان التالي هو الانتخابات الرئاسية والنيابية التي سوف تتزامن في شهر حزيران من العام الحالي، حيث يواجه أردوغان معظم أحزاب المعارضة التي قررت خوض الانتخابات بهدف وحيد: إسقاط الرئيس التركي.
أسباب تقريب موعد الانتخابات
كان من المفترض أن تقوم الدولة التركية بتنظيم انتخابات رئاسية ونيابية في العام 2019. إلا أن السلطات قررت تقديم موعد الانتخابات إلى حزيران 2018، حيث سيقوم ملايين الأتراك بانتخاب رئيسهم المقبل بشكل مباشر، والتصويت لنوابهم في دوائرهم الانتخابية.
تفيد معظم التقارير القادمة من أنقرة إلى أن تقديم موعد الانتخابات هو خطوة مدروسة ولها أسبابها الانتخابية. ومنها استفادة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم شعبياً من أجواء حرب الجيش التركي في سوريا والعراق، وما نتج عنها من فيض في المشاعر القومية والوطنية.
كذلك الأمر، يعود تقريب موعد الانتخابات إلى تقارير عدة لخبراء أتراك أشاروا إلى دنو الاقتصاد التركي من أزمة كبيرة في بداية العام القادم. التقارير هذه تبقى أقرب إلى التنبؤات منها إلى الحقائق الدامغة، إلا أن الاقتصاد قد بدأ فعلاً بدخول مرحلة أزمة خطيرة مع ارتفاع نسبة الفوائد بشكل كبيرالأمر الذي حذى الرئيس التركي إلى وصفها بـ”أم كل الشرور”[1]. هذا يُضاف طبعاً إلى استمرار تراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار بشكل غير مسبوق، والتي خسرت حوالى 10 بالمئة من قيمتها في الشهر الماضي.
سبب آخر قد يكون الحكم قد راهن عليه عند اتخاذه قرار تقريب موعد الانتخابات، وهو سبب مرتبط بسعي الأحزاب الأخرى إلى التحالف مع بعضها البعض. يعلم الجميع في تركيا أن أي حزب معارض لا يستطيع بمفرده التغلب على الحزب الحاكم، إلا أن ذلك يختلف جذرياً عند تحالف الأحزاب المعارضة مع بعضها البعض. ومع بروز بوادر هكذا إمكانية، أخذت السلطة قراراً بتقريب موعد الانتخابات في محاولة لعرقلة سعي أحزاب المعارضة إلى التكتل سوياً، خاصة أن هذه الأخيرة تحتاج إلى الوقت لاقناع جمهورها بتحالفاتها وأهدافها.
“العدالة والتنمية” يتحالف مع اليمين المتطرف
يتعامل حزب “العدالة والتنمية” مع حزب “الحركة القومية” كمركب يحتاجه إلى العبور من ضفة إلى أخرى عند كل استحقاق. ثم، بعد الوصول إلى بر الأمان، يتم ترك المركب لوحده إلى حين الحاجة إليه مرة جديدة. على هذا المنوال، شبك الحزب الحاكم تحالفاً مع حزب اليمين المتطرف “الحركة القومية” ورئيسه “دولت بهشلي” طوال الفترة الماضية، ففاز أردوغان بأكثرية لتعديل الدستور عام 2017، وغطاءً شعبياً لحربه في سوريا، فيما خرجت “الحركة القومية” دون فائدة تُذكر.
يُكمل الحزبان في الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة في تحالفهما. يسعى أردوغان إلى الفوز برئاسة الجمهورية مجدداً، وبأكثر نسبة من المقاعد في البرلمان القادم. أما “بهشلي”، فيريد الحفاظ على عدد مقاعده النيابية، خاصة أنه واجه في السنة الماضية الكثير من المشاكل ضعضعت حزبه وشعبيته.
تجلت أبرز مشاكل “الحركة القومية” بحصوله على نسبة ضئيلة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية السابقة. وهذا ما ساهم بانشقاق عدد كبير من مسؤوليه ونوابه عنه وتأسيسهم لحزب “الصالح”. يواجه “بهشلي” انتقادات كثيرة بسبب أداءه من ناحية، كما بسبب مواقفه وتصريحاته العدائية ضد الأكراد والأقليات وكل من ليس تركي. هذا بالإضافة إلى تبني حليفه، حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، لمواقف يمينية وقومية جعلت من مواقف “الحركة القومية” لزوم ما لا يلزم، ما أدى إلى التحاق بعض جمهوره بالحزب الحاكم.
أدت هذه الأمور كلها إلى إضعاف حضور “الحركة القومية” في المدن بشكل أساسي، الأمر الذي دفعه أكثر إلى حضن الحزب الحاكم، ليس بوصفه شريكاً إنما كتابع. وعلى الرغم من اختلاف إيديولوجيتهما السياسية ونظرتهما إلى الدولة والدين ودور تركيا، تستمر العلاقة غير متكافئة بين الطرفين على المدى المنظور، حيث يقوم “الحركة القومية” بمساندة “العدالة والتنمية” عند الحاجة، وذلك دون تحقيق أي مكاسب سياسية حقيقية.
“المرأة الحديدية” قد تحكم تركيا
بعد إنشقاقهم عن حزب “الحركة القومية” راح أعضاء حزب “الصالح” الجديد بتنظيم أنفسهم. ظهرت من بينهم، وبشكل بارز، “ميرال أكشينير” كمرشحة محتملة لرئاسة الجمهورية. لهذه المرأة التي بات الاعلام يلقبها بـ”المرأة الحديدية” أملاً مقبولاً في كسب المعركة لتكون بذلك أول إمرأة تتربع على منصب رئاسة الجمهورية التركية.
مارس الإعلام التركي الموالي حملات عديدة على هذا الحزب في محاولة للقضاء عليه في مهده، مستشعراً خطره القادم صوبه. لهذا الحزب ولـ”أكشينير” ميزات لا يملكها أي حزب ومرشح معارض لأردوغان. بداية، حزب “الصالح” هو حزب يُضنف ضمن اليمين الوسط والمحافظ تماماً كالحزب الحاكم، حيث تتشابك قاعدته الشعبية مع قاعدة “العدالة والتنمية”، الأمر الذي يمكّنه من الحصول على أصوات تؤيد عادة حزب أردوغان، وخاصة من المتململين من حالة الحريات العامة والاقتصاد في ظل الحكم الحالي.
كذلك الأمر، فإن “أكشينير” إمرأة، وهذا ما يعطيها إمكانية جذب أصوات النساء الناخبات، وهنّ يشكلنّ القاعدة الأقل تسيساً في تركيا حيث تنشط الحركات النسوية بشكل كبير. وهو هدف كانت قد صوبت نحوه “المرأة الحديدية” في الكثير من خطاباتها، حيث أعطت لحقوق المرأة أولوية في عملها السياسي والدعائي، وتسعى اليوم إلى كسب أكبر عدد من النساء ضمن ناخبيها لرئاسة الجمهورية.
لم يكن من السهل على “أكشينير” الترشح للانتخابات الرئاسية، إذ ينص القانون على أن يضم مرشح أي حزب على كتلة نيابية لا تقل عن 20 نائباً. وبما أن حزب “الصالح” المُنشأ حديثاً لا يضم أكثر من 5 نواب، “استعارت” رئيسته 15 نائباً من حزب “الشعب الجمهوري” المعارض انضموا إلى حزبها لأيام قليلة ريثما تتقدم بأوراق ترشحها. ثم عادوا واستقالوا من الحزب وانضموا مجدداً إلى حزبهم الأساسي[2] بشكل يُبرز إلى مدى وصل التعاون بين الأحزاب المعارِضة لتحقيق خرق في وجه أردوغان وحزبه الحاكم.
“الشعب الجمهوري” يقدم بديلاً للجمهور
اعتاد الحزب المعارض الأبرز على ترشيح رئيسه “كمال كيليتشدار أوغلو” إلى رئاسة الجمهورية مرة تلو أخرى، إلا أنه كان يعود خائباً عند كل استحقاق. أما اليوم فاختار الحزب العلماني تقديم بديل للناس وجمهوره، فأخرج من قبعته مرشحاً فذاً ذو شخصية قوية وكثير الدعاية والكلام والشهرة يدعى “محرم إنجي”.
يهدف الحزب المعارض إلى إظهار صورة نقيضة لما اعتاد عليه الجمهور في الماضي، والظهور بمظهر الحزب الديمقراطي بعدما بات الجميع متيقناً إلى قبضة “كيليتشدار أوغلو” القوية داخل الحزب. كما يسعى الأخير بوصفه أعرق الأحزاب التركية والثاني من حيث الحجم، إلى تحقيق خرق في المشهد السياسي العام، بعدما باتاً لاعباً ثانوياً أمام سطوة أردغان وحزبه. كما يعلم الحزب ورئيسه تماماً أن الانتخابات القادمة هي الفرصة الأخيرة أمامه لإسقاط غريمه الدائم، فرشح أفضل من لديه، وساعد حتى حزباً آخراً عبر “إعارته” نوابه.
يملك حزب “الشعب الجمهوري” قدرة شعبية مقبولة، وتأييداً كبيراً وسط سكان المدن والعلمانيين والأقلية العلاهية المنتشرة وسط وغرب الأناضول. أما مرشحه، فبادر منذ اليوم الأول إلى إطلاق المواقف الشعبوية والمحببة من الجمهور. فحيناً يُفصح عن خطته لمعالجة القضية الكردية، وحيناً آخر ينتقد الحزب الحاكم بقسوة ويتعهد بتحويل قصر أردوغان إلى مركز علمي[3]، وأحياناً أخرى يؤكد التزامه الديمقراطية وعدم نيته استخدام صلاحيات رئاسة الجمهورية الكبيرة إن أصبح رئيساً[4].
مرشح من خلف القضبان
لا يزال زعيم حزب “الشعوب الديمقراطي” يقبع في السجن بتهمة الدعاية لمنظمة إرهابية. إلا أن هذا الأمر لم يمنع “صلاح الدين ديمرطاش” من الترشح إلى رئاسة الجمهورية عبر رسالة أرسلها عبر محاميه أكد فيها على الاستمرار “في النضال من أجل الديموقراطية وضمان حقوق الأكراد وكل الفئات التركية”[5].
لعب هذا الحزب دوراً متنامياً في السنوات الأخيرة، وحصد سابقاً كتلة نيابية مقبولة من حيث الحجم. إلا أن مواقفه الأخيرة الموالية لمنظمة “العمال الكردستاني” المصنفة بالمنظمة الإرهابية في القانون التركي، أدخلت الحزب في مواجهة خطرة مع مؤسسات الدولة، كما أدخلت رئيسه وبعض أعضاءه إلى السجن.
مَلك الحزب في السابق تأييداً في الأوساط الكردية واليسارية التركية، إلا أن معرفة حجمه الحقيقي اليوم مسألة صعبة، وهي متروكة إلى نتائج الاقتراع. غير أن الحزب ورئيسه يهدفان إلى الحصول على كتلة نيابية متوسطة العدد قد تشكل بريق أمل لاستعادة ديناميكيته وحرية زعيمه، وذلك عبر الرهان على إظهار مظلومية رئيسه، الأمر الذي قد يدفع بالكثيرين من خارج المؤيدين التقليديين له للتصويت لـ”ديمرطاش”.
خطة المعارضة (أ) والخطة (ب)
تهدف أحزاب المعارضة إلى خوض معركة تبدو الأخيرة الممكنة لانتزاع الحكم من أردوغان. وتشير البيانات الرسمية للمتحدثين بأسماء هذه الأحزاب، كما نسبة اجتماعات ممثليها المتزايدة، إلى خطتين في صدد التحضير.
بالنسبة للمعركة النيابية، تتجه هذه الأحزاب المعارِضة، وربما غيرها، إلى التحالف في كامل الدوائر الانتخابية في وجه تحالف الحزب الحاكم “والحركة القومية”. وتهدف من وراء ذلك إلى إظهار أن هناك رأياً عاماً موحداً وساخطاً من الحكم في تركيا، كما محاولة تقديم نموذج من الحكم والتحالف القائم على مشاركة الجميع وليس على التفرد.
أما الانتخابات الرئاسية، فتقوم خطة المعارضة الأولى على خوض جميع المرشحين الانتخابات ضد بعضهم البعض وضد أردوغان في الدورة الأولى يوم 24 حزيران. وفي حال فوز أي منهم بأكثر من 50 بالمئة من الأصوات يصبح رئيساً، أما إن لم يتم ذلك، وهو الأمر المرجح، فإن أحزاب المعارضة سوف تطبق خطتها الثانية وتدعم الأكثر حظاً في وجه أردوغان في الدورة الثانية من الانتخابات.
وعليه، تبدو العارضة التركية حالياً أقوى من أي يوم مضى، ولها فرصة للتخلص من أردوغان. إلا أن حاكم تركيا غالباً ما يترك في جيبه بعض المفاجئات، ويخرج، كالمرات الكثيرة السابقة، فائزاً في كل معاركه الداخلية.
[1] Samson, Adam (2018), Lira falls after Erdogan calls interest rates ‘mother of all evil’, Financial Times, Retrieved from: https://www.ft.com/content/d1fe4bf2-551b-11e8-b24e-cad6aa67e23e
[2] Hurriyet Daily News (2018), CHP’s 15 resigned deputies return from İYİ Party, Retrieved from: http://www.hurriyetdailynews.com/chps-15-resigned-deputies-return-from-iyi-party-131622
[3] Hafizoglu, Rufiz (2018), Turkish presidential candidate promises to turn president’s residence into science center, Trend News Agency, Retrieved from: https://en.trend.az/world/turkey/2898223.html
[4] Hurriyet Daily News (2018), CHP’s İnce rejects to use presidential powers if elected, Retrieved from: http://www.hurriyetdailynews.com/chp-presidential-candidate-ince-vows-not-to-use-executive-powers-if-elected-131664
[5] Rudaw (2018), Presidential candidate Demirtas promises youth, women, pension reforms, Retrieved from: http://www.rudaw.net/english/kurdistan/09052018